نشر موقع ميدل إيست آي مقالًا مشتركًا للكاتبة أميرة نيمراوي وسارة الصلح وجيمس سميث ومادس جيلبرت، تناول السياسات الإسرائيلية التي حوّلت المساعدات الإنسانية إلى أداة حرب ضد سكان غزة، وذلك في ظل مجاعة وشيكة حذّر منها النظام العالمي لتصنيف الأمن الغذائي في مارس 2024.
يواجه نحو نصف مليون فلسطيني مستويات كارثية من الجوع، بينما يعاني باقي السكان من أزمات غذائية حادة. يموت الأطفال والمسنون والمرضى يوميًا بسبب سوء التغذية والجفاف وأمراض يمكن تجنّبها بسهولة. وُلدت أجيال جديدة في واقع من الخطر والجوع. هذه المأساة ليست كارثة طبيعية، بل نتيجة مباشرة لسياسات إسرائيلية تهدف إلى تعظيم المعاناة والموت.
فرضت إسرائيل منذ 17 عامًا حصارًا شاملًا على غزة، خنق اقتصادها وأعاق بنيتها التحتية وقيّد حركة الناس والبضائع. في 2008، وثّقت وزارة الدفاع الإسرائيلية حسابًا دقيقًا للسعرات الحرارية المسموح بها لتفادي المجاعة دون إنهاء سياسة التجويع، وأُشير حينها إلى أن الهدف هو إبقاء غزة "على حمية غذائية".
منظمات حقوقية وخبراء مستقلون في الأمم المتحدة أدانوا مرارًا هذا الحصار باعتباره عقابًا جماعيًا، لكن غياب العقوبات سمح لإسرائيل بتعميق هذه الممارسات. منعت السلطات إدخال معدات تنقية المياه، الأدوية الأساسية وحتى العكازات، بذريعة غامضة تُعرف بقيود "الاستخدام المزدوج". تسببت هذه السياسات في إضعاف قدرة المؤسسات المحلية والمنظمات الإنسانية على تلبية الاحتياجات الأساسية، وخصوصًا مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة.
في 2024، أعلن خبراء مستقلون في الأمم المتحدة أن المجاعة انتشرت في غزة. حذّرت منظمة الصحة العالمية من تأثيرات طويلة الأمد على نمو الأطفال وقدراتهم العقلية. في ظل هذا الوضع، واصلت إسرائيل تسييس المساعدات، فأنشأت الولايات المتحدة رصيفًا إنسانيًا قبالة ساحل غزة، أثار شكوكًا بين الفلسطينيين الذين رأوا فيه غطاءً لعمليات عسكرية. وبالفعل، استخدمت القوات الإسرائيلية المنطقة المحيطة بالرصيف لشن غارة مموهة على مخيم النصيرات، أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص وإصابة المئات.
هاجمت إسرائيل وكالة الأونروا وسعت إلى تفكيك دورها، عبر حملات تضليل ووقف التمويل ومنعها قانونيًا من العمل داخل الأراضي المحتلة، في خطوة غير مسبوقة. بذلك، أدّى إضعاف البنية الإنسانية إلى تعزيز اعتماد الفلسطينيين على خطط إغاثة تخضع للسيطرة الإسرائيلية المباشرة.
أطلقت إسرائيل بدعم أمريكي "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، لتكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن توزيع المساعدات، متجاهلة كل البنى القائمة، بما فيها الأمم المتحدة. تُجبر هذه الخطة سكان غزة على التوجه إلى أربعة مراكز توزيع تقع جميعها خارج شمال القطاع، ما يعني أن من تبقّى هناك سيضطر للنزوح جنوبًا من أجل البقاء. يُصنّف استخدام المساعدات كوسيلة للتهجير القسري كجريمة ضد الإنسانية.
لم يذكر الإعلان الرسمي للمؤسسة الجديدة الغارات التي استهدفت مخابز ومراكز توزيع الطعام، أو تعطيل المعابر البرية الذي منع وصول المساعدات. بدلاً من تخفيف الحصار، عزّزت هذه الإجراءات الطابع العقابي للمساعدات. انتقد مسؤول في الأمم المتحدة المشروع واعتبره "ورقة توت" تخفي عنفًا وتهجيرًا ممنهجًا.
رغم قرار محكمة العدل الدولية في يناير 2024، الذي طالب بحماية المدنيين وتوفير المساعدات، استمرت الأزمة في التدهور. وفي مطلع 2025، أكد استطلاع شمل 35 منظمة إنسانية أن جميعها ترى أن الاستراتيجية الإسرائيلية غير فعالة أو أعاقت إيصال الإغاثة.
خلص المقال المنشور في ميدل إيست آي إلى أن تجويع سكان غزة ليس نتيجة طارئة، بل نتيجة متوقعة لحصار هدفه السيطرة والتهجير. تجاهلت المؤسسات الدولية التحذيرات لسنوات، وسمحت بتفاقم المأساة تحت غطاء المساعدات. لا يمكن مواجهة هذه السياسات بمجرّد إصلاحات سطحية، بل يجب فضح استخدامها للمساعدات كأداة استعمارية تمتد لعقود.
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-humanitarian-foundation-israels-new-model-weaponised-aid